نزلت إلى البحر بثوب خفيف، هكذا يحلو لي أن أمتطي جنوني كل عام بداية الشتاء، كانت زخات المطر تنسكب على جسدي فتمتزج بحبيبات ماء الموج المائج لتنطلق احتفالية زواج الماء بالماء ويسري ملح اللحظة بداخلي معلنا بداية اللذة المبللة بالجنون. هناك على صخرة معزولة عن نظيراتها، بدا لي فريدريش جالسا، ممكسا بممطرته السوداء كقسيس صغير، عدوت نحوه. كنت قرأت بإحدى الصحف أن حبيبته لوسالوميه الشقراء الروسية قد تركته وتزوجت من ببتشارلز أندرياس، وعلمت أنه يعاني الإصابة بالسفلس الذي التقطه ببيت للدعارة في كولون. وكان قد انتهى للتو من إصدار "هكذا تكلم زرادشت". أغلب الظن أنه جاء مرسيليا ليتخلص من التعب والجهد الذي كلفه كتابه الأخير. أو لمضاجعة عاهرة فرنسية ما دامت فرنسا قد نجحت في القضاء على السفلس قبل ألمانيا بسنوات. دنوت منه محاولة الاطمئنان على حالته، رمقني بنظرة ارتعدت لها فرائصي وخرست لها حواسي. ثم مد يده لي قائلا: - تعالي لوسي حبيبتي واجلسي قربي، هنا المطر والبحر مختلفان، فظيع هو الموت عطشا في البحر... قاطعته: - عزيزي فريدريش، لست لوسي، أنا جيهان القاضي - تشبهين لوسي تماما، آه لو كان الرب هنا لسبحت بحمده - وتؤمن بالرب؟ - أؤمن به لأني ضعيف - الرب في كل مكان، أينما وليت وجهك فتم وجه الله - إنهم يقتادونه إلى غرفة الإعدام، بعد إعدامه أنا جاهز لحكم العالم - تهفو لأن تكتب الإنسان بدمه، وتسعى لأن تنتقم من لوسي؟ - المرأة كانت خطيئة الرب الثانية - الرب شماعة تعلقون عليها خطاياكم - لا يجد المؤمنُ عدّوَه الطبيعيّ في المفكّرِ الحرِّ، بل في الإِنْسان الدينيّ - أراك تهذي عزيزي نيتشه، أغلب الظن أن الموت بات يراود روحك - إذا ما متّ يا أختاه لا تجعلي أحد القساوسة يتلو عليّ بعض الترهات في لحظة لا أستطيع فيها الدفاع عن نفسي. تملكني خوفي الدائم من الفلسفة، لذت بالفرار وتركته لمصيره. هناك بالبيت كان زوجي يجلس أمام شاشة التلفزيون يتابع خطبة أبو بكر البغدادي والسبحة متجمدة بين أصابعه.
- تعليقات بلوجر
- تعليقات فيسبوك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات:
إرسال تعليق